لايمكن أن تتحقق ديمقراطية التربية إلا إذا تحققت الديمقراطية الحقيقية في المجتمع، ولا ينبغي أن تكون ديمقراطية الدولة شكلية وسطحية تمس ماهو هامشي وثانوي، وتترك ما هو أساسي وجوهري. أي إن الديمقراطية الحقيقية هي ديمقراطية عملية يشارك فيها الرئيس والمرؤوس، ويحتكمان معا إلى لغة الحوار والاختلاف وخطاب الانتخابات النزيهة الشفافة بدون تزوير ولا تزييف ولا تسويف ولا تجويع.
وهنا، تتحمل المدرسة كامل المسؤلية لتغيير المجتمع تغييرا ديمقراطيا عن طريق تخليق الناشئة وتهيئها للمستقبل الزاهر حينما تتنازل الدولة عن سلطاتها الواسعة لتشرك فيها كفاءات المجتمع بطريقة ديمقراطية عادلة لاتفاوت فيها ولا صراع شخصي أو حزبي يؤجج حولها.
ومن هنا يرى جون ديوي أن:” الاندماج الاجتماعي الأمثل هو الذي يستجيب للنموذج الديمقراطي، ذلك النموذج الذي لايعني ميدان السياسة وحدها بل سائر الميادين الأخرى، ولاسيما العائلة والكنيسة والأعمال الاقتصادية. وهذا النموذج الديمقراطي لايمكن عنده أن يوضع موضع التنفيذ إلا عن طريق استعدادات خلقية معنوية يرجع إلى المدرسة صراحة أمر تعهدها وغرسها. غير أنه مادامت هذه المدرسة توجهها مبادئ سليمة ومادامت تيسر أقصى حد من تقاسيم التجارب والمسؤوليات، فإنها تسهم بالضرورة في إعادة بناء النظام الاجتماعي. وإنها، على حد تعبيره، الوسيلة الأساسية للتقدم والإصلاح الاجتماعي
”
فالبرامج السياسية مطالبة بالحضور الفعلي داخل المنظومة التربوية، ليس من باب تشكيل أحزاب وكتل سياسية داخل المدرسة، بل بترسيخ ثقافة الحوار الحوار وتقبل الآخر واكتساب مبادئ النقد الذاتي والتشبث بقيم الوحدة بجميع معانيها؛ ذلك أنه مهما اختلفت رؤانا للأمور، فإن الغاية تظل واحدة: بناء مجتمع حديث مساير للركب الحضاري والتطور التكنولوجي والعلمي.”
وهكذا، نصل إلى أن ديمقرطة المجتمع وبنائه حضاريا وأخلاقيا من أهم الآليات الإجرائية لتحقيق الديمقراطية الحقيقية في نظامنا التربوي والتعليمي.